dimanche 27 septembre 2009

مشاركة الديمقراطي التقدّمي في الانتخابات

مشاركة الديمقراطي التقدّمي في الانتخابات

كان قرار الحزب الديمقراطي التقدّمي الذي اتخذه في فيفري 2008 قرارا مسؤولا لحزب معارض يتّسم بالواقعية بتزامن مع التقدّم والديمقراطية. فقد قرّر آنذاك المشاركة في انتخابات أكتوبر 2009 الرئاسية والتشريعية وعيّن مرشّحه للرئاسية في شخص مؤسس الحزب وزعيمه الأستاذ أحمد نجيب الشابي الذي انطلق في حملة داخل البلاد وحتى خارجها ليتصل بصورة مباشرة بآلاف المواطنين الذين كانوا متعاطفين مع قرار الحزب ممّا أربك السلطة التي ردّت الفعل باستغلال نفوذها واستصدرت قانونا استثنائيا على المقاس لإقصاء مرشّح الحزب من الرهان الرئاسي. وقد كان هذا القانون جائرا بأتمّ معنى الكلمة فقد كان متخلّفا عن القانون الاستثنائي السابق الذي سمح بتعدّد الترشحات في انتخابات 2004 والذي كان يسمح للأحزاب بتقديم أي عضو من مكتبها السياسي للانتخابات الرئاسية بينما اقتصر سنة 2009 على الكتاب العامين فقط، ثمّ أن قانون 2009 ذو مفعول رجعي إذ ضبط الأقدمية في منصب الأمين العام لمدّة تفوق المدّة التي تفصل بين صدور القانون وتاريخ الانتخابات ممّا يمنع الأحزاب من اختيار مرشّح يختلف عن الأمين العام الحالي إلاّ إذا رجع التاريخ إلى الوراء بعشرة أشهر كاملة.

وكان قرار السلطة إقصاء مرشّح الديمقراطي التقدّمي يمثّل شهادة على صدقيته كمنافس كفء للرئيس المباشر وعلى إمكانية تأثيره على المواطنين وعلى إمكانية فتحه لباب أمل الإصلاح السياسي والتغيير. إغلاق باب المشاركة الحرة للديمقراطي التقدّمي لم يثبط عزيمته ولم يحبطه فقد قرّر مواصلة العمل للمشاركة في الانتخابات التشريعية رغم أنه منتبه إلى كون تنظيمها والإشراف عليها من طرف وزارة الداخلية وزارة الداخلية يلغي منها أي رهان انتخابي، فهي محسومة مسبقا، لأن الحزب الحاكم سيحصد بالضبط 75 بالمائة من المقاعد لكون المجلة الانتخابية مفصّلة بطريقة لا تعطي غير ذلك. ثم أن حزب التجمّع الحاكم كلّف وزير الداخلية بترؤّس لجنة التعبئة متناسيا بأنه مكلّف في نفس الوقت بتنظيم الانتخابات إداريا وبضبط كل تفاصيلها وبتعيين من يشرف عليها محليّا حسب المجلّة الانتخابية.

بالنسبة للديمقراطي التقدّمي الرهان في هذه الانتخابات سياسي، فالحزب يدخل هذه المعركة السياسية لفرض حقّ الشعب في اختيار من يحكمه بصورة حرّة دون خوف أو ترهيب، حقه في الحكم الصالح للتصرف والتدبير السليم في المؤسسات العمومية وفي البلاد بصورة عامة، حقه في محاربة الفساد والرشوة والمحسوبية التي أضرت بالبلاد كثيرا، حقه في الرفع من مستوى عيش المواطنين ومن مقدرتهم الشرائية. فالحزب يريد أن يوصل خلال الحملة الانتخابية عدّة رسائل إلى الشعب لإبلاغه بأن إصلاح التعليم ممكن، وأن التخفيض من نسبة البطالة إلى حد مسيطر عليه ممكن، وأن إنهاء حكم الحزب الواحد والرئاسة مدى الحياة ممكن، وأن الإصلاح السياسي الذي يمكّن كل مواطن من المشاركة في الشأن العام بحرية وديمقراطية ممكن، وفي كلمة مختصرة يريد الديمقراطي التقدّمي من خلال هذه الانتخابات فتح باب الأمل في حياة سياسية متطورة وديمقراطية قوامها الاختيار الحرّ والمشاركة الفعلية للمواطن في الحياة السياسية. حزب التجمّع الحاكم يعرف كلّ كل ما نريده ولا يريد وضع موقعه الذي يمكّنه من السيطرة كليّا على دواليب الدولة محلّ أي رهان وبالتالي لا يقبل بالديمقراطية النزيهة طريقا لتجديد مجلس النواب. فقد عمدت السلطة إلى إسقاط 21 قائمة من القائمات الست والعشرين التي تقدّم بها الحزب الديمقراطي التقدمي حتى ساعة إغلاق باب الترشحات في السادسة من مساء السبت 26 سبتمبر. وقُبلت خمس قائمات فقط في خمس دوائر هي الكاف وسليانة وقابس وزغوان وقبلي. أما القائمات التي تقدم بها الحزب في المدن الرئيسية فتم رفضها جميعا، من دون إعطاء أي تفسير، بما فيها قائمة تونس 1 التي تترأسها الأمينة العامة للحزب الأخت مية الجريبي، وقائمات صفاقس 1 وصفاقس 2 وأريانة وتونس 2 ونابل وسوسة والقيروان وبن عروس وبنزرت ومنّوبة والمهدية والمنستير والقصرين وقفصة وتوزر وباجة وجندوبة وسيدي بوزيد وتطاوين.

قائمات الديمقراطي التقدّمي كانت سليمة من الناحية القانونية بدليل أن الإدارة لم تُقدّم أي طعن فيها واكتفت بالإدعاء شفويا أنها "غير مطابقة لأحكام المجلة الانتخابية". ومعلوم أن الحزب الديمقراطي التقدمي حرص على التثبت من أن جميع المترشحين على قائماته مرسّمون بالقائمات الانتخابية وسلّم مع ملفات الترشح نسخا من بطاقة الناخب تتضمن أسماء مكاتب الاقتراع التي هم مسجلون فيها وأرقامها. إن هذا الإسقاط الجماعي لقائمات الحزب هو قرار سياسي اتخذه الحكم وأعطيت التعليمات للإدارة الخاضعة له لتنفيذه من غير تجشم الجهد حتى لإكسائه لباسا قانونيا، في تحد كامل لقواعد التعامل السياسي وفي تعد صارخ على أحكام المجلة الانتخابية التي وضعها الحكم نفسه.

ويدلّ هذا التعامل الفظّ مع الديمقراطي التقدمي، الذي لم يسبق له مثيل في المواعيد الانتخابية السابقة، على التمادي في محاولة إقصاء الحزب من المؤسسات التمثيلية لأن خوض قائماته للمعركة الانتخابية في 26 دائرة أو حتى في 20 دائرة سيجعل استبعاده من المجلس المقبل أمرا لا يستقيم بجميع المقاييس. وبات واضحا الآن أن الحكم الذي أقصى مرشح الحزب للرئاسية الأستاذ أحمد نجيب الشابي بقانون سنّه على المقاس، يُعيد الكرة اليوم بشلّ القائمات التي تقدم بها الحزب للتشريعية وإخراجها من السباق الانتخابي بغير وجه حق، في دوس صارخ لقواعد اللعبة السياسية. وستجتمع اللجنة المركزية للحزب يوم السبت 10 سبتمبر إثر استيفاء الردود على القائمات التي أعيد تقديمها لاتخاذ القرار المناسب في شأن المشاركة في الانتخابات التشريعية.

د. أحمد بوعزّي
بقلم :أ.د. أحمد بوعزّي

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire